سورة الفرقان - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


روي عن ابن عباس وغيره أن كفار قريش قالوا في بعض معارضتهم لو كان هذا القرآن من عند الله لنزل {جملة} كما نزل التوراة والإنجيل وقوله {كذلك} يحتمل أن يكون من قول الكفار إشارة إلى التوراة والإنجيل، ويحتمل أن يكون من الكلام المستأنف وهو أولى ومعناه كما نزل أردناه فالإشارة إلى نزوله متفرقاً وجعل الله تعالى السبب في نزوله متفرقاً تثبيت فؤاد محمد عليه السلام وليحفظه، وقال مكي والرماني من حيث كان أمياً لا يكتب وليطابق الأسباب المؤقتة فنزل في نيف على عشرين سنة، وكان غيره من الرسل يكتب فنزل إليه جملة، وقرأ عبد الله بن مسعود {ليثبت} بالياء، والترتيل التفريق بين الشيء المتتابع ومنه قولهم ثغر رتل ومنه ترتيل القراءة، وأراد الله تعالى أن ينزل القرآن في النوازل والحوادث التي قدرها وقدر نزوله فيها، ثم أخبر تعالى نبيه أن هؤلاء الكفرة لا يجيئون بمثل يضربونه على جهة المعارضة منهم كتمثيلهم في هذه بالتوراة والإنجيل إلا جاء القرآن {بالحق} في ذلك بالجلية ثم هو {أحسن تفسيراً} وأفصح بياناً وتفصيلاً، ثم توعد الكفار بما ينزل بهم يوم القيامة من الحشر على وجوههم إلى النار وذهب الجمهور، إلى أن هذا المشي على الوجوه حقيقة، وروي في ذلك من طريق أنس بن مالك حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل يا رسول الله كيف يقدرون على المشي على وجوههم، وقال «إن الذي أقدرهم على المشي على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم»، وقالت فرقة المشي على الوجوه استعارة للذلة المفرطة والهوان والخزي وقوله تعالى: {شر مكاناً} القول فيه كالقول في قوله {خير مستقراً} [الفرقان: 24].


هذه الآية التي ذكر فيها الأمم هي تمثيل لهم وتوعد أن يحل بهم ما حل بهؤلاء المعذبين، و{الكتاب} التوراة، والوزير المعين، وهو من تحمل الوزر أي ثقل الحال أو من الوزر الذي هو ملجأ، و{القوم الذين كذبوا} هم فرعون وملؤه من القبط، ثم حذف من الكلام كثير دل عليه ما بقي، وتقدير المحذوف فأديا الرسالة فكذبوهما فدمرناهم. وقرأ علي بن أبي طالب ومسلمة بن محارب {فدمرانهم} أي كونا سبب ذلك، قال أبو الفتح ألحق نون التوكيد ألف التثنية كما تقول اضربان زيداً.
قال الفقيه الإمام القاضي: وروي عن علي رضي الله عنه {فدمراهم}، وحكى عنهم أبو عمرو الداني {فدمِرناهم} بكسر الميم خفيفة، قال وروي عنه {فدمروا بهم} على الأمر لجماعة وزيادة باء، والذي فسر أبو الفتح وهم وإنما القراءة {فدمرا بهم} بالباء، وكذلك المهدوي، ونصب قوله {وقومَ نوح} بفعل مضمر يدل عليه {أغرقناهم}، وقوله {الرسل} وهم إنما كذبوا نوحاً فقط معناه أن الأمة التي تكذب نبياً واحداً ففي ضمن ذلك تكذيب جميع الأنبياء فجاءت العبارة بما يتضمنه فعلهم تغليظاً في القول عليهم، وقوله {آية} أي علامة على سطوة الله تعالى بكل كافر بأنبيائه، وعاد وثمود يصرف، وجاء هاهنا مصروفاً، وقرأ ابن مسعود وعمرو بن ميمون والحسن وعيسى {وعاداً} مصروفاً {وثمود} غير مصروف، واختلف الناس في {أصحاب الرس} فقال ابن عباس هم قوم ثمود، وقال قتادة هم أهل قرية من اليمامة، يقال لها {الرس} والفلج، وقال مجاهد هم أهل قرية فيها بير عظيمة الخ... يقال لها {الرس}، وقال كعب ومقاتل والسدي {الرس} بير بأنطاكية الشام قتل فيها صاحب ياسين، وقال الكلبي {أصحاب الرس} قوم بعث إليهم نبي فأكلوه، وقال قتادة {أصحاب الرس} وأصحاب ليكة قومان أرسل إليهما شعيب عليه السلام، وقاله وهب بن منبه وقال علي رضي الله عنه في كتاب الثعلبي {أصحاب الرس} قوم عبدوا شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت، رسوا نبيهم في بير حفروه له في حديث طويل، و{الرس} في اللغة كل محفور من بير أو قبر أو معدن ومنه قول الشاعر [النابغة الجعدي]: [المتقارب]
سبقت إلى فرط بأهل *** تنابلة يحفرون الرساسا
وروى عكرمة ومحمد بن كعب القرظي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الرس المشار إليهم في هذه الآية قوم أخذوا نبيهم فرسوه في بير وأطبقوا عليه صخرة، قال فكان عبد أسود قد آمن به يجيء بطعام إلى تلك البير فيعينه الله على تلك الصخرة إلى أن ضرب الله يوماً على أذن ذلك الأسود بالنوم أربع عشرة سنة وأخرج أهل القرية نبيهم فآمنوا به في حديث طويل، قال الطبري فيمكن أنهم كفروا به بعد ذلك فذكرهم الله في هذه الآية، وقوله {وقروناً بين ذلك كثيراً} إبهام لا يعلم حقيقته إلا الله عز وجل وقد تقدّم شرح القرن وكم هو، ومن هذا اللفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى، ويروى أن ابن عباس قاله، «كذب النسابون من فوق عدنان لأن الله تعالى أخبر عن كثير من الخلق والأمم ولم يحد»، ثم قال تعالى إن كل هؤلاء ضرب له الأمثال، ليهتدي فلم يهتد، فتبره الله أي أهلكه، والتبار الهلاك ومنه تبر الذهب أي المكسر المفتت، وكذلك يقال لفتات الرخام والزجاج تبر، وقال ابن جبير إن أصل الكلمة نبطي ولكن العرب قد استعملته.


قال ابن عباس وابن جريج والجماعة الإشارة إلى مدينة قوم لوط وهي سدوم بالشام، و{مطر السوء} حجارة السجيل، وقرأ أبو السمال {السُّوء} بضم السين المشددة، ثم وقفهم على إعراضهم وتعرضهم لسخط الله بعد رؤيتهم العبرة من تلك القرية، ثم حكم عليهم أنهم إذا رأوا محمداً صلى الله عليه وسلم استهزؤوا به واستحقروه وأبعدوا أن يبعثه الله رسولاً، فقالوا على جهة الاستهزاء {أهذا الذي بعث الله رسولاً} وفي {بعث} ضمير يعود على الذي حذف اختصاراً وحسن ذلك في الصلة، ثم أنس النبي صلى الله عليه وسلم عن كفرهم بقوله {أرأيت من اتخذ إلهه هواه} الآية، والمعنى لا تتأسف عليهم ودعهم لرأيهم ولا تحسب أنهم على ما يجب من التحصيل والعقل بل هم كالأنعام في الجهل بالمنافع وقلة التحسس للعواقب، ثم حكم بأنهم {أضل سبيلاً} من حيث لهم الفهم وتركوه، و{الأنعام} لا سبيل لهم إلى فهم المصالح، ومن حيث جهالة هؤلاء وضلالتهم في أمر أخطر من الأمر الذي فيه جهالة الأنعام، وقوله {اتخذ إلهه هواه} معناه جعل هواه مطاعاً فصار كالإله والهوى قائد إلى كل فساد لأن النفس أمارة بالسوء وإنما الصلاح إذ ائتمرت للعقل، وقال ابن عباس الهوى الإله يعبد من دون الله ذكره الثعلبي، وقيل الإشارة بقوله {إلهه هواه} إلى ما كانوا عليه من أنهم كانوا يعبدون حجراً فإذا وجدوا أحسن منه طرحوا الأول وعبدوا الثاني الذي وقع هواهم عليه، قال أبو حاتم وروي عن رجل من أهل المدينه قال ابن جني هو الأعرج {إلهه هواه} والمعنى اتخذ شمساً يستضيء بها هواه إذا الشمس يقال لها إلهة وتصرف ولا تصرف، والوكيل القائم على الأمر الناهض به.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7